البجعات السود في الاسواق المالية

يعتقد الكثير من المستثمرين أن الأسواق المالية تحقق عوائدها بشكل تراكمي و بالتدرج عبر فترة زمنية طويلة, متجاهلين (إن بقصد أو بغير قصد) التأثير الهائل لأيام معدودة على قيمة المؤشر في الأجل الطويل.

في هذه المقالة سنسلط الضوء على ما تمثله هذه الأيام المعدودة (ما تسمى البجعات السود) لأسواق المال و انعكاسات وجود مثل هذه البجعات السود  على ثروات المستثمرين و ما يجب عليهم عمله تجاهها خصوصا إذا ما علمنا (و سنرى هذا لاحقا) كيف تؤثر على ثرواتهم  في الأجل الطويل.

البجعات السود في الأسواق المالية

في دراسة لخافيير إسترادا Javier Estrada على مؤشر الداو جونز وجد أن عند استثمار 100$ في بداية 1900م و حتى 2006م تصبح قيمة هذا الاستثمار 25.746$  بعد مرور 107 من السنين او 29190 يوم تداول, وجد خافيير إسترادا أن إخراج أفضل 10 أيام (و هي تمثل 0.03% من مجموع الأيام) يخفض قيمة الاستثمار بما يعادل 65% في حين أن إخراج أفضل 20 يوم من ذات العينة يخفض قيمة الاستثمار بما يقارب 83.2% أيضا عند إخراج أفضل 100 يوم (و هي تعتبر 0.34%  فقط من حجم العينة) يخسر هذا الاستثمار 99.7% من قيمته !.

هذا بالنسبة لأفضل الأيام و لكن ما الذي يفعله تجنب أسوأ الأيام ؟ ينتهي تحليل خافيير إسترادا إلى أن تجنب أسوأ 10 أيام يُضاعف قيمة الاستثمار 206% في حين أن تجنب أسوأ 20 يوم يرفع قيمة الاستثمار 531.5% أيضا تجنب أسوأ 100 يوم في العينة يرفع قيمة الاستثمار إلى 43.396%, ما يعني تفوق و بشكل ساحق على استراتيجية الشراء و الاحتفاظ !.

 

و في تحليله لفترة أقصر و هي الفترة بين 1990-2006  و هي فترة طويلة بشكل كافي لقياس الأداء للمستثمرين و قصيرة بالنسبة للسوق وجد في المتوسط في الـ 15 سوق إخراج أفضل 10, 20 و 100 يوم يخفض قيمة الاستثمار 43.3%, 62.3% و 95.2% على التوالي و هي ما تمثل 0.23%, 0.47% و 2.34% من مجموع  أيام التداول في هذه الفترة. أيضا تجنب أسوأ 10, 20 و 100 يوم يرفع قيمة الاستثمار بالتتابع إلى 87.9%, 204.4% و 6.268%.

المثير للدهشة ان التحليل أظهر أن إخراج أفضل 100 يوم في أسواق تايوان و تايلاند يمحق رأس المال المستثمر افتراضيا !. و في أسواق ألمانيا, هونج كونج و اليابان و سنغافورة يخفض قيمة الاستثمار  ليصبح أقل من 10% من قيمة المبلغ المستثمر في البداية !.

 

ماذا عن الأسواق الناشئة ؟

في دراسة أخرى حلل Estrada  16 سوق مالية ناشئة من خلال جمعه لعينة من 110000 يوم تداول جمعت من بداية كل سوق إلى عام 2007 للـ 16 سوق يظهر تحليل Estrada  أنه في المتوسط في حال أخرجنا أفضل 10 أيام تنخفض قيمة الاستثمار بـ 69.3%  مقارنة بالمؤشر في حين أنه بإخراج أفضل 20 يوم يفقد استثماره 84.8% من قيمته بالمقارنة مع الاستثمار في المؤشر, أما في حال أخرج أفضل 100 يوم فسيفقد استثماره في المتوسط  99.4%  من قيمته بالمقارنة مع متوسط عوائد الـ 16 سوق !.

هذا عن تأثير أفضل الأيام على المؤشر و الاستثمار فيه، و لكن كيف تؤثر الانهيارات على عوائد الاسواق الناشئة ؟, يظهر تحليل Estrada  أن تجنب أسوأ 10 أيام في المتوسط يرفع قيمة استثماره بـ 337.1% بالمقارنة مع المؤشرات, في حين أن إخراج أسوأ 20 يوم في العينة يرفع قيمة الاستثمار بـ 1.060% بالمقارنة مع الاستثمار في المؤشر, أما تجنب أسوأ 100 يوم فيرفع قيمة الاستثمار 381.672% في المتوسط بالمقارنة مع مؤشرات الـ 16 سوق ناشئ !.

إذن يظهر تحليل Estrada  أن الاسواق الناشئة لا تختلف عن الاسواق المتطورة من حيث تأثير عدد قليل من الأيام على عوائد مؤشراتها.

و لكن ما الذي يعنيه هذا ؟ و كيف تؤثر هذه الايام الأيام على المستثمرين و المضاربين في اسواق الاسهم ؟

هل يمكن التنبؤ بهذه  الأيام للاستفادة من أفضل الايام و تجنب الانهيارات ؟ هل من الممكن تحديد أفضل دخول لاقتناص أفضل الأيام و البقاء خارج السوق في أسوأ الأيام ؟

ما أريد التأكيد عليه هو أن هذا التأثير الضخم لنسبة لا تكاد تذكر من الايام على المؤشرات يؤكد على أن المؤشرات لا تحقق عوائدها بشكل تراكمي كما يعتقد الكثيرين, كما أن المراهنة على التنبؤ بهذه الأيام يبدو خاسراً فهي تمثل لا نسبة لا تكاد تذكر من مجموع العينة، البحث عنها يشابه البحث عن إبرة صغيرة وسط كومة كبيرة من القش !.

إذن ماهي النصيحة المثلى للاستفادة من هذه الايام ؟ و كيف يمكن حل اشكالية عدم القدرة على التنبؤ بها ؟

في الحقيقة, ان النصيحة المثلى للاستثمار في أسواق الاسهم تبدو شبيهة إلى حد كبير بالنصائح التي تقدم للتمتع بحياة صحية مثل ممارسة الرياضة اليومية و اتباع نظام غذائي سليم.

نتفق جميعا على أن التمتع بصحة جيدة بعد عمر طويل يعتبر هدفا مرغوبا, و لكن الحصول عليه هو المشكلة. يفشل الكثير منا في تطبيق هذه النصائح لعدم تحملهم عناء التدريبات الرياضية, أو اتباع عادات و نظام غذائي صحي.

يحتاج تحقيق هدف الحصول على صحة جيدة للصبر و الانضباط كما هو أي هدف طويل الاجل. البعض يريد اختصار هذا الطريق الطويل, بمحاولة تجربة الكثير من الطرق المختصرة و التي تعده بتحقيق هذه الاهداف في وقت قصير.

في مجال الاستثمار في الاسهم يبدو الوضع مشابها إلى حد كبير, يريد المستثمرين الحصول على عوائد عالية, عوضا عن المخاطر التي يتحملونها كهدف مرغوب, و لكن المشكلة أيضا في كيفية تحقيقه.

غالب المستثمرين ذوو نفس قصير و لا يستطيعون تحمل ألم الخسارة في الأجل القصير، و لا يوجد لديهم الصبر الانضباط المطلوب لتحقيق هذا الهدف, البعض منهم يحاول الاعتماد على استراتيجيات تعده بالحصول على عائد عالي في وقت قصير !.

الدراسات تؤكد ان الاستثمار في محفظة منوعة في الاجل الطويل يعطي أفضل العوائد (سأتعرض لهذا عند حديثي عن كتاب “الاسهم للأجل الطويل” لـ ج. سيجل)، التنويع الواسع broad-diversification يجعلك في الاجل الطويل أقل انكشافا للأزمات, و أكثر تعرضا للفرص في سوق لا تستطيع التنبؤ فيه بمتي و لماذا و كيف سيتحرك ؟

المراجع:

ESTRADA, J., 2009. Black swans in emerging markets. The Journal of Investing, 18(2), pp. 50-56.

ESTRADA, J., 2009. Black swans, market timing and the Dow. Applied Economics Letters, 16(11), pp. 1117-1121.

ESTRADA, J., 2008. Black swans and market timing: how not to generate alpha. The Journal of Investing, 17(3), pp. 20-34.

ESTRADA, J., 2008. Investing in Emerging Markets: A Black Swan Perspective. Available at SSRN 1308082, .

أضف تعليق